كثير منا واجه هذه الحالة مرات عديدة في حياتنا: في الصباح، يبدو
اليوم طويلًا، هناك الكثير من الأشياء المخطط لها، والخطة تبدو
منظمة وقابلة للتنفيذ. لكن بعد ذلك يبدو أن الوقت يختفي. فجأة يصبح
الوقت أقل مما خططت له في الصباح. ولكن كيف يمكن أن تكون قد أخطأت
في هذه الحسابات البسيطة؟ كما لو أن شخصًا ما قد استحوذ على بعض
الوقت. هذه الظواهر لها اسم: الكرونوفاج. إذن كيف يمتصون أو يسرقون
وقتنا؟ ماذا يشبهون وهل يمكن مواجهتهم؟ من حيث نظريات علم النفس
الإدراكي ونظريات السلوك البشري، يمكن الإجابة على هذه الأسئلة
بشكل أو بآخر بوضوح. دعونا نتناول كل شيء بالترتيب.
من ناحية، بالطبع، كل شيء يعتمد على انتباهنا وسلوكنا طوال اليوم،
وكيفية تنفيذنا للمهام. تشير نظرية الانتباه الانتقائي إلى أن
إدراكنا للوقت يمكن أن يتأثر بشكل كبير بما نركز انتباهنا عليه.
المهام التي تتطلب تركيزًا مكثفًا يمكن أن تجعلنا نفقد إحساسنا
بالوقت. يحدث هذا لأن الدماغ ببساطة يفتقر إلى الموارد اللازمة
للتركيز على المهمة المطروحة وتقدير الوقت في نفس الوقت. يتفاقم
هذا التأثير إذا كان الشخص يعمل على مهام متعددة في نفس الوقت.
تتبع الوقت أثناء تعدد المهام أمر صعب للغاية. لهذا السبب، غالبًا
ما يتم تشويه إدراكنا للوقت بسبب العمل المعقد أو العدد الكبير من
المهام المتزامنة.
من ناحية أخرى، يتأثر إدراك الوقت بشكل كبير بالهرمونات والكيمياء
الدماغية. على وجه الخصوص، يشارك اثنان من الناقلات العصبية الأكثر
أهمية: الدوبامين والسيروتونين. يلعب الدوبامين دورًا في المكافأة
والتحفيز ويرتبط بإدراك الوقت. يمكن أن تغير نشاط الدوبامين إدراك
الوقت، مما يؤدي غالبًا إلى تسريعه أثناء المهام ذات المكافأة
العالية أو التحفيز العالي. من ناحية أخرى، يشارك السيروتونين في
تنظيم المزاج، ويمكن أن تؤثر مستوياته على إدراك الوقت، ويمكن أن
تؤدي الاختلالات إلى اضطرابات تؤثر على إدراك الوقت (على سبيل
المثال، غالبًا ما يؤدي الاكتئاب إلى شعور بأن الوقت يمر ببطء).
وبالتالي، يعتمد إدراكنا لوقتنا أثناء أداء مهمة ما على قيمة تلك
المهمة لنا، واهتمامنا بالدافع والنتيجة. كلما كانت المهمة أكثر
إثارة أو متعة، كلما كانت أكثر أهمية، كلما مر الوقت بسرعة. وتُدرك
فترات العمل هذه بطريقة مختلفة تمامًا عن ما كانت تبدو عليه في
جدولك وخطتك من الصباح.
بالإضافة إلى إدراك الوقت في اللحظة نفسها، هناك جانب آخر مهم: هل
نرتكب أخطاء عند تقدير وتخطيط الوقت؟ في هذا الصدد، هناك عمليتان
رئيسيتان في نفسيتنا: الإدراك الزمني الاسترجاعي والإدراك الزمني
المستقبلي. التقييم الاسترجاعي هو تقييم مقدار الوقت الذي مضى منذ
حدث معين. يمكن أن تؤدي العديد من عمليات الذاكرة إلى تشوهات، مما
يجعل بعض الفترات الزمنية تبدو أطول أو أقصر مما كانت عليه بالفعل.
يظهر هذا أن ذكرياتنا عن يوم منتج لا يمكن الاعتماد عليها في
التخطيط لليوم التالي، لأننا في الواقع غالبًا ما نتذكر بشكل خاطئ
كم استغرق عملية معينة. من ناحية أخرى، في التقييم المستقبلي،
عندما يدرك المرء أنه يحتاج إلى تتبع الوقت (مثل عندما ينتظر شيئًا
ما)، قد يبدو الوقت كأنه يمر ببطء. تقترح النظريات الإدراكية أن
هذا يحدث لأننا نراقب الساعة بنشاط، مما يزيد من وعينا بالوقت
المتدفق ويوجه المزيد من انتباهنا وموارد الدماغ إلى ذلك.
أخيرًا، يمكن أن تعمل الأنشطة مثل الاستخدام المفرط لوسائل التواصل
الاجتماعي، وألعاب الفيديو، وتصفح الإنترنت ككرونوفاج، تستهلك
كميات كبيرة من الوقت غالبًا دون أن يدرك المستخدم ذلك. يدرس علماء
النفس الإدراكي هذه السلوكيات لفهم كيف يمكن للتفاعل مع الوسائط
الرقمية أن يغير إدراك الوقت. تهدف تصميمات العديد من المنصات
الرقمية إلى إنشاء تجارب غامرة تشجع على الاستخدام المطول. بسبب
ذلك، عندما يتشتت العقل، غالبًا ما يفقد الناس إحساسهم بالوقت دون
أن يلاحظوا كم من الوقت تم إنفاقه على أنشطة مماثلة وترفيهية. من
الصعب تقدير كمية الوقت الذي تم قضاؤه سواء في لحظة تلك الأنشطة أو
عند تذكر يوم معين.
وبالتالي، تعيق نفسيتنا الخاصة قدرتنا على تقييم الوقت بموضوعية.
ومن أجل التنقل في هذا، يمكننا ملاحظة الطرق التالية. أولاً، من
الضروري تقسيم المهام الكبيرة إلى العديد من المهام الصغيرة، حيث
يمكن على الأقل قياس الوقت الذي يقضى فيها بشكل موضوعي. ثانيًا، من
المهم تحديد وقت معين للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي،
وألعاب الفيديو، والأنشطة المماثلة الأخرى. ثالثًا، من الضروري
مراقبة توزيع انتباهك. عند العمل، تكون الاستراحات المنتظمة مهمة،
حتى في ظروف تعدد المهام، يجب ألا يتشتت الانتباه أو يتنقل بسرعة
كبيرة. وأخيرًا، يجب التعامل مع كل حالة بموقف إيجابي معتدل. لا
يجب أن يكون العمل مملًا، لكن في نفس الوقت لا ينبغي التركيز بشكل
مفرط على النتيجة أو العملية. التحفيز الزائد لا يقل ضررًا عن نقص
التحفيز ويمكن أن يؤدي إلى تقدير غير صحيح للوقت، وتوزيع غير صحيح
للجهود أو الاحتراق.
جهاد بكورة
مؤسس سلالة بكورة، مصمم، فيلسوف