كيف تبدو لحظة الحاضر، اللحظة الوحيدة "الآن"؟ ماذا تتخيل عندما
تسمع كلمة "الآن": صورة، لقطة ثابتة من فيلم، ربما جزء من فيلم أو
صوت؟ يعتقد علماء النفس أن الإجابة الأخيرة هي الأكثر صحة. تشير
الأبحاث الحديثة في علم النفس التصوري وإدراك الإنسان (على سبيل
المثال، مقال في مجلة علم النفس الأجنبي الحديث) إلى أن الشخص دقيق
جدًا في تحديد مدة تشغيل الصوت مقارنةً بمدة عرض الصورة. علاوة على
ذلك، إذا عرضنا الصورة أولاً ثم الصورة والصوت معًا، ستكون الإجابة
الثانية أدق. يمكننا القول أنه عندما يتعلق الأمر بالزمن، يختار
الشخص الصوت كمقياس زمني داخلي له أو لها. لذا، إذا كنت ترغب في
محاولة التقاط لمحة من الحاضر، فمن الجدير بالاستماع. علاوة على
ذلك، أظهرت دراسة نشرت في مجلة الوعي والإدراك أنه إذا قمت بتوزيع
الكلمات التي تدل على الماضي والكلمات التي تدل على المستقبل إلى
اليسار واليمين على التوالي من نقطة الصفر ("الآن") ثم دعت الناس
إلى الاستماع إلى هذه الكلمات، فسيُدرك الكلمات التي تدل على
المستقبل بشكل أعلى بالأذن اليمنى. يظهر ذلك أن الإدراك البصري
والسمعي مرتبطان بشكل قوي، وأحيانًا يمكن لأحدهما أن يدير قواعد
اللعبة للآخر. وإذا كان يمكن تصور الفضاء عبر البصر، وتقديمه
كصورة، فإن الزمن مثل سلسلة صوتية. ومن خلال السمع والصوت، يمكننا
معرفة كيف يستمر لحظة معينة بشكل أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للصوت أن يشوه إدراك الشخص للزمن. الشواهد
على تشوه الزمن الناتج عن الصوت هي ظاهرة درست في علم النفس
التصوري وعلم الأعصاب حيث تؤثر المحفزات السمعية على إدراك الزمن.
يعالج الدماغ فترات الزمن باستخدام آليات عصبية، ويمكن أن تؤثر
المحفزات السمعية، وخاصة الأصوات الإيقاعية، على عملية ونتيجة هذه
المعالجة. عندما نستمع إلى سلسلة من الأصوات، يمكن أن يبطئ إدراكنا
للزمن أو يسرع اعتمادًا على الإيقاع والسرعة. تشير الدراسات إلى أن
الأصوات الإيقاعية المنتظمة تجعل فترات الزمن تبدو أقصر، بينما
الأصوات غير النظامية أو غير المتوقعة تجعل فترات الزمن تبدو أطول.
يعود هذا التأثير إلى آليات التوقع والتنبؤ التي تعمل في الدماغ،
حيث يتم معالجة الأنماط النظامية بشكل أكثر كفاءة. التشوهات أو
التغييرات في أنماط الصوت، والتغييرات في الإيقاع تؤدي إلى تغييرات
في إدراك الزمن بسبب كيفية معالجة هذه الدوائر العصبية للمعلومات.
في الحياة اليومية، تتجلى هذه الظاهرة في أن الوقت يبدو أنه يمضي
بسرعة عندما يكون إيقاع الموسيقى سريعًا، ويمضي ببطء عندما يكون
الإيقاع مملًا أو بطيئًا. أظهرت النتائج التجريبية أن تقدير
المشاركين للزمن يتأثر بشكل كبير بأنماط الصوت، حيث يؤدي زيادة
الإيقاع إلى التقدير الدنيا وانخفاض الإيقاع إلى التقدير الزائد
لفترات الزمن. وبالتالي، يعتبر الزمن في إدراك الإنسان في المقام
الأول إيقاعًا. لدى النفس البشرية إيقاعاتها الداخلية الخاصة،
لكننا غالبًا ما ندرك العالم فيما يتعلق بالإيقاعات الخارجية. من
خلال السيطرة على إيقاع سلاسل الصوت، يمكننا تبديل معدل إدراكنا
للزمن، والتحكم فيه. إن إيقاع الحياة ليس مجرد مجاز جميل، بل هو
واحد من أسماء الزمن.
باعتبار إدراك الزمن كإدراك للصوت، أو بشكل أكثر تحديدًا، الإيقاع،
يمنحنا رؤية جديدة حول الساعة كجهاز لقياس الزمن، تصميمه، وطريقة
استخدامه. قال كلود ديبوسي، "الموسيقى هي الصوت بين النغمات."
الآن، فال"آن" ليس علامة على الساعة. إنه حركة اليد وصوت الزناد.
تتدفق الزمن بشكل متواصل، ويتدفق بسلاسة من "الآن" الواحد إلى
الآخر، من صوت الزناد إلى التوقف قبل القادم. ما هو الأكثر أهمية
في هذه العملية هو الإيقاعية، التي، في الوقت نفسه، مستمرة. الساعة
هي أداة قوية لبرمجة وتهيئة إدراكنا: الأصوات من حولنا، الموسيقى،
أصوات الناس يمكن أن تغير إيقاعاتهم، يمكن أن تضطرهم، شيء غير
متوقع يمكن أن يظهر فيهم. الساعة تقرع دائمًا بنفس الإيقاع، تتحرك
أيديها بنفس السرعة. هكذا تخلق الساعات لنا تدفقًا مستقرًا
ومتوقعًا ومستقرًا للزمن. لكن يمكنك إدراك هذا التدفق بطرق مختلفة،
اعتمادًا على العلامات التي تحتاجها للسفر على محيط الزمن. هناك
ثلاثة أنواع من الناس: بعضهم يقدرون العلامات والإشارات التقليدية،
يتحركون على المسار المعروف لـ 24 ساعة و 60 دقيقة. آخرون يحتاجون
أيضًا إلى علامات، لكنهم غير متفقون على النقاط المرجعية القديمة
ويعتقدون أنهم وجدوا طريقة أفضل للتنقل وإدراك الزمن. أخيرًا،
يعتقد آخرون أنه لا يهم كم من الوقت مرّ بالضبط، لا يهمهم الدقة
إلى الدقيقة أو الثانية. الأهم بالنسبة لهم هو السباحة من "الآن"
إلى الآخر، شعوراً بمرور الوقت بأفضل طريقة ممكنة والاستمتاع بها.
من غير المرجح أن يعمل هؤلاء الأشخاص في المجالات التي تتطلب
الاتساق الدقيق للوقت والانضباط، بل هم أشخاص يحبون عدم التقليدية،
المهن الإبداعية. قد يكون تركيزهم على الكرة الروحية، على شعور
الحياة. تعمل بكورا على حل جريء وغير تقليدي لهذا النهج في إدراك
الزمن: ساعة نبضية بدون تقسيم إلى ساعات ودقائق وثواني، مع عقرب
ثانية واحدة فقط. إنه استمرار منطقي لمجموعة العقل المفتوح بعقرب
الدقيقة والساعة، ولكن بدون تقسيم. يمكن أن توفر مثل هذه الساعة
تجربة جديدة مهمة: الشعور والإدراك بالزمن ليس بالنسبة للتقسيمات
وبعض العلامات المحددة، ولكن كإيقاع، سلسلة من الحركات بسرعة
متساوية. يمكن أن يساعد في الخروج من إيقاع الحياة غير المريح
والنظر إلى اليوم من منظور جديد. يمكن أن يكون هذا النهج المشابه
للتأمل مفيدًا للغاية بالنسبة لأولئك الذين يعانون من مشاكل في
إدارة الوقت، إيقاع العمل، الاحتراق، ومشاكل مماثلة أخرى. لا يمكن
لأي ساعة أن تصلح حياتك في لحظة، ولكن التجربة الجديدة يمكن أن
تمنحك اتجاهاً للذهاب وعقلًا مفتوحًا جديدًا حول الحياة والزمن.
جهاد بكورة
مؤسس سلالة بكورة، مصمم، فيلسوف